كيف عرفنا المسافة إلى الشمس ؟
كم المسافة إلى الشمس ؟
السؤال بسيط ، والإجابة الصحيحة له التي اعتمد عليها كل علماء الفلك لأكثر من ألفي سنه ! تُعرف المسافة من الأرض إلى الشمس بأنها ( وحدة فلكية ) ، و يستخدمها العلماء كوحده معياريه لقياس المسافات بين اجرام الكون.
قبل التوصل الى قياس المسافة المتوسطه بين الأرض والشمس فى مدارها، كان علماء الفلك لا يتمكنون من احتساب المسافات بين النجوم والكواكب ، وأيضا المسافات الفاصله بين بعضها ، ويرجع السبب الى أن الوحدات الفلكيةللقياس كانت قليله وغير مناسبه للمسافات الهائله . لكن بحساب المسافة بين كوكبنا الأرض والشمس أدى ذلك لظهور ( الوحدة الفلكية) وهي تستخدم اليوم لقياس المسافات بين الكواكب في النظام الشمسي .
علم الفلك اليونانى القديم
اليونانيون القدماء من الفلكيين الابرز فى تاريخ الرصد الفلكى ومن بين من حاولوا تصور نموذج لشكل الكون ، ومن فتره تمتد قبل صنع التلسكوبات الاولى ..
رصدو القمر الكبير الحجم في أفق السماء ، وتصوروا أنه قريب منا على الأرض ! وفى أثناء ظاهرة الكسوف الشمسي ، يبدو كلا من الشمس والقمر في نفس الحجم ، الشمس تظهر وهى أكثر إشراقًا وضياء ، و توصلوا ان ذلك يؤكد أن الشمس هى الأكبر حجما ولكنها تقع على مسافة ابعد جدًا من القمر القريب .
ولاحظوا ان الكواكب الاخرى تظهر بحجم أكبر من كل النجوم وتتحرك بمسار أسرع من النجوم الكبرى ايضا ،واوصلهم هذا الى تحديد للاجرام القريبه عن طريق سرعتها فى مدارها..
الهنـــــدسة تفتح أبوابها
فى فترة انتعاش الرياضيات وتطبيقات الهندسة كانت المسافة الفلكيه الأولى و المعروفه بدّقة هي المسافة بين كوكب الارض و القمر ..
وتم هذا فى منتصف القرن الثاني الميلادى كان العالم الفلكى الإغريقي ( أبرخش ) يستخدام طريقة فلكيه قديمه و معروفة وهى (إختلاف المنظر ) وهذه الطريقه بسيطة جدا كالتالي: نحن بالطبع إذآ نظرناالى عدد من الأجسام بحيث يكون موقعنا من زاويتين مختلفتين للرؤيه ، فما نلاحظه ان رؤيتنا لأجسام قريبة يظهر عليها تغيراً أوضح من الاجسام البعيدة عنا.
التزيح النجمى
نستطيع فعل ذلك بسهولة عن طريق عقد إصبعك على طول ذراعك ثم أغلق عين واحدة تليها الأخرى ، لاحظ كيف تتحرك إصبعك أكثر من تلك الأشياء التي في الخلفية " اي ماخلف إصبعك"؟
إن هذه هي طريقة إختلاف المنظر!
فى مباديء الهندسه نحن عند معرفتنا بحجم زاويتين في المثلث، و طول ضلع من الاضلاع ،يمكنك عندها باستخدام الهندسة ببساطه ، إيجاد الطول لبقيه اضلاع المثلث الاخرى.
في تجربه ( أبرخش )توصل الى قياس المسافة بين قريتين متباعدتين وذلك بملاحظة القمر في سماء كلا القريتين ، استخدم (أبرخش) قوانين هندسية مبسطه وتمكن من وضع تقدير صحيح للمسافه بين القريتين
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
الفلكى( ارسطراخس الساموسي )
أدرك هذا العالم الاغريقى أنه عندما يكون القمر نصف مضاء فهو فى هذا الطور او الوضع يشكل مثلثا صحيحا مع موقع الأرض وموقع الشمس .
كان العالم يعرف المسافة بين الأرض والقمر ،كل مايحتاجه هو معرفه قيمه الزاوية بين الشمس و القمر ، ليتمكن من تحديد المسافة الصحيحه الى الشمس ، كان تفسيره العلمى البسيط ذكيا ، ولكن ملاحظاته الفلكيه وقتها كانت غير كافية !
كان ارستراخس يستخدم عينيه للملاحظه ، وقدر قيمه هذه الزاوية بحوالى ٨٧درجة ، وكان تقديره يقارب التقدير الصحيح بعد مرور اكثر من عشرين قرن من الزمن ، استخدمت نفس طريقة ارستراخس وملاحظاته الفلكيه ومع الات ورصد أفضل خرجت النتائج بشكل مقارب الى المسافة الصحيحة.
كيف نتمكن من تحسين النتائج ؟
كانت الطريقة المسماه (إختلاف المنظر) او ( التزيح النجمى) هى الطريقة الاولى والوحيدة لقياس المسافة .
ولكنها تلك الطريقه( إختلاف المنظر) بالنسبه الى الشمس، كانت اكثر صعوبه من التي استخدمت مع القمر ..
ماذا يمكننا ان نفعـــل؟
عبور الزهرة امام الشمس
كوكب الزهرة القريب يــــؤثر في كل النتائج .
خلال القرن الثامن عشر تطور فهمنا للطبيعة وقوانينها بشكل افضل وبدايه ظهور واسس علم الفيزياء . واوضح كيبلر و نيوتن بأن المسافات بين الاجرام السماويه والكواكب ترتبط بمعرفه احداها ، وبالتالى نعرفها كلها بنفس الاسلوب.
كان مفتاح ذلك، هو العبور لكوكب الزهرة امام الشمس.
خلال العبور إلى كوكب الزهرة تعبر بعض الكواكب من أمام قرص الشمس وهذا العبور يُرى من على سطح الأرض من عده مواقع رصديه مختلفة، من المعتاد ان يظهر كوكب الزهره ليعبر أمام مناطق اكبر او أصغر من القرص الشمسى .. اذن كم الفترة الزمنيه التي يستغرقها العبور ؟
قدر العالمان (جيمس جيروجوري) و( ادموند هالي) بأن المسافة إلى الزهرة و الشمس يمكنك أن تحددها بهذة الطريقه.
يبدو اسلوبا بسيطاً ولكن هناك بعض الاحتمالات ضد النجاح ..عبور الزهرة امام الشمس هو حدث نادر جدا ،و أدرك هالي بمرور الوقت أن ذلك الاسلوب صحيح ، ولكن قد لا يسعه العمر للقيام بذلك بنفسه ، وقد كتب التعليمات و الارشادات المحددة لتنفيذ التجربه للراصد الفلكى .
ولضمان الدقه فى الحسابات يحتاج الى امرين :
١_ قياس زمن العبور لكوكب الزهره بدقه اقل من الثانيه.
٢_ تباعد مواقع الرصد او الأشخاص المراقبين للعبور إلى أقصى حد ممكن .
و لضمان عدم تأثير الطقس والغيوم كان يجب توزيع مواقع المراقبين في كل انحاء الكرة الأرضية ، وفي انحاء العالم .
كانت هذه المهمة صعبة جدا في هذا الزمن ، لان السفر عبر القارات وقتها كان يستغرق سنوات طويله وليست كحالنا اليوم.
الجهود العالميه
مع وجود هذه المصاعب قرر علماء الفلك في كل من فرنسا وانجلترا أنهم خلال عام ١٧٦١ م يتمكنون من رصد عبور كوكب الزهرة وتنفيذ التجربه .
الملاحظات القديمه لم تكن جميعها دقيقه ، لكن تمكن العلماء من ضم بياناتهم الحديثه مع القياسات المتتاليه التي تجمع خلال السنوات الثمانية للعبور الكوكبى المقصود .
تمكن العالم الفلكى الفرنسي( جروم لالاند) من تجميع البيانات الرصديه وحساب تقريبي للمسافه من الأرض إلى الشمس : مائة وثلاثة وخمسون مليون كيلومتر(ستة وتسعون ميلاً) وكانت نتائجه مقاربه للقيمة الفعليه ( ثلاثة وتسعون ميلاً)
تدفعنا الملاحظه والمراقبه التى قام بها (ارسطراخس ) الاغريقي بادواته المتواضعه ، خلال فترة العبور لكوكب الزهرة امام الشمس ، الى زياده معرفتنا حول طبيعه المسافة من الأرض إلى الشمس ويطلق عليها ( وحده فلكيه) و إستخدام الاسلوب نفسه لمحاوله فهم الكون الواسع و تحديد المسافات بين الاجسام الكونيه .
من الحقائق الضمنيه التى عرفها اى راصد هاوى ، اتساع مدار الأرض، واستخدام تغير موقع الارض فى مدارها حول الشمس بمرور سته اشهر ، فى رصد النجوم وبالتالى معرفه بعدها،،
نستطيع استخدام طريقة التزيح "إختلاف المنظر" لقياس المسافة إلى بقية النجوم عن طريق إعداد ملاحظات خارجية متباعدة في ستة أشهر ، ذلك عندما الأرض تغادر إلى الجانب الآخر من الشمس ،
هذا كشف لنا الكون المتمدد اللانهائي! ..
هذا بيدك لتنفذه بنفسك وتتأمل جانبا من الكون